عدنان بن عبد الله القطان

27 ذو الحجة 1442هـ – 6 أغسطس 2021 م

———————————————————————-

الحمدُ لله تفرَّد بالعزِّ والقَهر والكِبرياء، واستأثَرَ بالمُلك والتدبير والبقاء، قهرَ الخلقَ بما كتبَ عليه من الفناء، نحمدُه  سبحانه  والَى بالإنعام النِّعمَ المُتكاثِرة، وحذَّر بالانتِقام بالنِّقَم القاهِرَة، ونشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له، له الحمدُ في الأولى والآخرة، ونشهدُ أن سيِّدنا ونبيَّنا محمداً عبدُ الله ورسولُه أيَّدَه بالحُجَج الظاهِرة، والبراهِين الباهِرة، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آلهِ وأصحابِه والتابِعين ومَن تبِعَهم بإحسانٍ.

أَمَّا بعد:فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله، اتقوا الله تعالى واعلموا أن رحلة الأيام والشهور والأعوام، لا تتوقف بأي حال من الأحوال، وإن من مراحل حياتنا التي قطعناها من سفرنا إلى الآخرة، هذا العام الهجري الذي سنودعه قريباً، ولن  يعود إلينا أبداً إلى يوم القيامة ، فإنه ما من يوم ينشق فجره، إلا وينادي ويقول: يا ابن آدم، أنا يوم جديد، وعلى عملك شهيد، فاغتنمني بعمل صالح، فإني لا أعود إلى يوم القيامة، فكان لابد من استغلال أيام العمر وشهوره وسنواته، فيما يعود بالنفع على المسلم في دينه ودنياه وآخرته، وبذلك فليفرح ويستبشر، فقد أدى ما عليه وقام بواجبه، وكل يوم وهو في زيادة من خير أو معروف أو عمل صالح يقربه إلى الله عز وجل، وليس من العقل أن يَفْرَح بِالدُّنْيَا مَنْ يَوْمُهُ يَهْدِمُ شَهْرَهُ، وَشَهْرُهُ يَهْدِمُ سَنَتَهُ، وَسَنَتُهُ تَهْدِمُ عُمْرَهُ؟ وكَيْفَ يَفْرَحُ بِالدُّنْيَا مَنْ يَقُودُهُ عُمْرُهُ إِلَى أَجَلِهِ، وَتَقُودُهُ حَيَاتُهُ إِلَى مَوْتِهِ، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل، قال تعالى: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) وقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزولَ قدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يسألَ عن عُمُرِهِ فيمَ أفناهُ ؟ وعن علمِهِ فيمَ فعلَ فيهِ ؟ وعن مالِهِ مِن أينَ اكتسبَهُ؟ وفيمَ أنفقَهُ؟ وعن جسمِهِ فيمَ أبلاهُ) وعن ابن عمر رضي الله عنهما قَالَ: أخذ رسول الله بِمَنْكِبَيَّ فقال : (كُنْ في الدُّنْيَا كَأنَّكَ غَرِيبٌ أَو عَابِرُ سَبيلٍ) وَكَانَ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما يقول: إِذَا أمْسَيتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ  وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ المَسَاءَ وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ)

وقد وكل الله بكل إنسان ملكين من ملائكته؛ أحدهما عن يمينه يكتب الحسنات، والآخر عن شماله يكتب السيئات؛ قال تعالى: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ، كِرَاماً كَاتِبِينَ، يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) وهناك غيرهم يتعاقبون علينا بالليل والنهار، ليرفعوا تقارير للملك الجبار سبحانه عن أعمالنا صغيرها وكبيرها؛ صح في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ، وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ) قال أهل العلم: (ومعنى (يتعاقبون):

تأتي طائفة بعد طائفة، وأما اجتماعهم في الفجر والعصر فهو من لطف الله تعالى بعباده المؤمنين، وتكرمة لهم بأن جعل اجتماع الملائكة عندهم ومفارقتهم لهم في أوقات عباداتهم واجتماعهم على طاعة ربهم، فتكون شهادتهم لهم بما شاهدوه من الخير)..

أيها المؤمنون والمؤمنات: رحيل الأيام والشهور والسنوات من أعمارنا، يذكرنا دائماً بدنو الآجال واستمرار الرحلة إلى الدار الآخرة دون توقف ولو حتى للحظة واحدة، قال تعالى (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ) فأين الزاد لهذه الرحلة؟ كيف هو إيمان كثير منا بالله عز وجل، ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ وكيف هي عباداتنا وأخلاقنا ومعاملاتنا؟ وكيف هي حياتنا مع القرآن والصلاة والصيام والذكر والدعاء؟ هل قمنا بواجباتنا تجاه ديننا وأوطاننا وأمتنا؟  ماذا أنجزنا من أعمال صالحة تبيض وجوهنا يوم تبيض وجوه وتسود وجوه .. قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: (إنكم تَغْدُونَ وَتَرُوحُونَ إلى أَجَلٍ قَدْ غُيِّبَ عَنْكُمْ عِلْمُهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَلا يَمْضِيَ هَذَا الأَجَلُ إِلا وَأَنْتُمْ فِي عَمَلٍ صَالِحٍ فَافْعَلُوا) وقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ فِي الْحِسَابِ غَداً أَنْ تُحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ،(يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا وَهِيَ مُدْبِرَةٌ، وَارْتَحَلَتِ الآخِرَةُ وَهِيَ مُقْبِلَةٌ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ وَلا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، الْيَوْمَ الْعَمَلُ وَلا حِسَابَ وَغَداً الْحِسَابُ وَلا عَمَل) ولو راجع كل واحد منا قائمة حساب أعماله، خلال عام مضى وانقضى لوجد عجباً عجاب،(إلا من رحم الله) فكم من صلاة أضاعها؟ وكم من جمعة تهاون بها ؟ كم من صيام تركه؟ كم من زكاة أو صدقة بخل بها؟ كم من حج أو عمرة فوتها ؟  كم من معروف تكاسل عنه؟

وكم من منكر سكت عليه؟ كم من نظرة محرمة أصابها؟  كم من كلمة فاحشة تكلم بها؟ كم أغضب والديه ولم يرضهما؟ وكم قسى على ضعيف ولم يرحمه؟ كم من الناس ظلمه وأكل حقه وأخذ ماله؟ وكم من ظالم ناصره ؟ وكم من معروف طمسه ؟ وكم من شهادة كتمها؟ وكم من دماء للمسلمين شارك في سفكها بالفعل أو القول أو التحريض والتشفي والرضى؟ وكم من أخوة مع المسلمين قطعها بسبب خلاف في وجهات النظر أو بسبب عصبية جاهلية ذميمة، أو بسبب موقف تافه وعابر؟ ألا رحماك ربنا رحماك، وعفوك ورضاك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه: أَتَدْرُونَ من المُفْلِسُ؟ قالوا: المُفْلِسُ فِينا مَن لا دِرْهَمَ له ولا مَتاعَ، فقالَ: إنَّ المُفْلِسَ مِن أُمَّتي من يَأْتي يَومَ القِيامَةِ بصَلاةٍ، وصِيامٍ، وزَكاةٍ، ويَأْتي قدْ شَتَمَ هذا، وقَذَفَ هذا، وأَكَلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا وضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذا مِن حَسَناتِهِ، وهذا مِن حَسَناتِهِ، فإنْ فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عليه أُخِذَ مِن خَطاياهُمْ فَطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ). وبالمقابل هناك من يعيش بيننا وفي قائمة حسابهم، إنجازاتهم خلال عام مضى، أعمال تفتح لها أبواب السماء، فقد قاموا بما أفترض الله عليهم، وأدوا واجباتهم، صبروا في مرضات الله، واستقاموا على الصراط، وادركوا حقيقة الدنيا، وتزودوا للرحلة، واستفادوا من أعمارهم، وعاشوا حياتهم لله في السراء والضراء، والعسر واليسر، ولذلك يكون الجزاء في الدنيا والآخرة عظيم، ففي الدنيا معونة الله وتثبيته لهم، وفي الآخرة، قال الله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ، إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ،  فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ، فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ، قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ، كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ).. وربما لم تكن أعمال كثيرة ولكنها أعمال توفر فيها الإخلاص والصدق وطلب مرضات الله فيها مع خوف من الله واستصغارها، فكتب الله لها القبول، قال أحد علماء السلف : (مَنْ أَمْضَى يَوْمَهُ فِي غَيْرِ حَقٍّ قَضَاهُ ، أَوْ فَرْضٍ أَدَّاهُ ، أَوْ مَجْدٍ أَثَّلَهُ أَوْ حَمْدٍ حَصَّلَهُ ، أَوْ خَيْرٍ أَسَّسَهُ أَوْ عِلْمٍ اقْتَبَسَهُ ، فَقَدْ عَقَّ يَوْمَهُ وَظَلَمَ نَفْسَهُ)

قال عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله :لو قيل لحماد بن سلمة: (أحد العلماء العباد) : إنك تموت غداً ، ما قدر أن يزيد في العمل ـ أي الصالح ـ شيئاً . وعن وكيع بن الجراح رحمه الله قال : كان سليمان بن مهران قريباً من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى في صلاة الجماعة ويقول: وجلست إليه أكثر من ستين سنة فما رأيته يقضي ركعة.. وكان الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ رحمه الله يُقاد إلى الصلاة وبه الفالج ـ الشلل ـ فقيل له : قد رُخِّص لك  قال : إني أسمع حي على الصلاة، فإن استطعتم أن تأتوها فأتوها ولو حبواً.. وكان في الأمة أمثال هؤلاء من العلماء وطلبة العلم والقادة والمرابطين على الثغور وكان منهم التجار والقضاة وعلماء الطبيعة والرياضيات والكيمياء والطب، وبهم أزدهرت هذه الأمة، وانتشر الإسلام، وحفظت كرامة المسلم وتعلمت واستفادت أمم الأرض من حولنا عندما كان من الأسباب استثمار الأوقات وبلوغ الغايات وتحقيق الأهداف...

 أيها الأخوة والأخوات في الله:  يرحل عام هجري من حياتنا، فما هي قائمة الإنجاز لأمة الإسلام خلال هذا العام كدول وجماعات وأحزاب ومؤسسات، لا شك أن هناك أعمالاً واجتهادات ومحاولات لتحسين العمل والأداء من بلد لآخر، ومن جماعة ومؤسسة لأخرى، يشكرون عليها،  لكن الناتج العام لأمة الإسلام خلال العام دون مستوى المسئولية والتحدي، وهناك قائمة بالحساب فادحة، قدمتها هذه الأمة من دمائها وأبنائها ومقدراتها، بسبب البعد عن منهج الله وتدخل الأعداء من الشرق والغرب، فأوغروا العداوة بين أبنائها، ونشروا ثقافة العصبية والطائفية والمذهبية ليستمر الخلاف والشقاق، ولذلك قامت الحروب والصراعات، وسفكت الدماء، وهدمت المدن والقرى، وظهر الظلم والبغي، واحتكم الناس إلى ثقافة الغاب، ولجئوا إلى العنف والإرهاب والقوة والاستكبار، وتشرد الناس في الملاجئ والمخيمات وماتوا في الصحاري والقفار والبحار، بحثاً عن النجاة، وعادى المسلم أخيه المسلم ووالى أعداء الأمة والله تعالى يقول محذراً من الأعداء، (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا، وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) لقد أصبحنا مع الأسف الشديد أضحوكة العالم، ومثاراً لسخرية الشعوب غير المسلمة، فنحن أمة الإسلام أمة القرآن، الأمة الواحدة بدينها وعباداتها وشعارها، الأمة التي من واجباتها دعوة الأمم وتربية الشعوب ودعوة العالم من حولنا إلى الإسلام والعدل والتعايش والتسامح والتواضع وبذل المعروف، أصبح بأسنا بيننا شديداً، وأصبح لا يطيق بعضنا بعضاً بسبب خلافات تافهة ليست من الدين في شيء. وضاقت علينا الأرض بما رحبت، وخبثت  كثير من النفوس، وساءت الأعمال، ونسي الدين والآخرة ولقاء الله عز وجل، وترك كثير منا تعاليم الدين، فأنزل الله عقوبته علينا حتى نعود إلى الحق والخير الذي أمرنا به؛ قال تعالى: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ)

اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح قادتهم وعلمائهم ورجالهم  ونسائهم وشبابهم وفتياتهم يا سميع الدعاء.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي جعل الصلاة كتاباً موقوتاً على المؤمنين، وأمر بإقامتها والمحافظة عليها، وأدائها مع المسلمين، نحمده سبحانه على نعمه، ونشكره على جزيل منّه وكرمه ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تمسك بسنّته وسار على نهجه إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها المسلمون: إنّ للصلاة شأناً عظيماً في ديننا الحنيف، ويعدّ الالتزام بها وأداؤها في أوقاتها من أجلِّ وأسمى ما يتقرّب به المسلم إلى الله تعالى، قال تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً) وصح من حديث عبد الله أبن مسعود رضي الله عنه قال: (سَأَلْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ العَمَلِ أحَبُّ إلى اللَّهِ؟ قالَ: الصَّلاةُ علَى وقْتِها. الحديث) أي أداؤها في أوّل الوقت، فيتضح من الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدّ أداء الصلاة في أوّل وقتها والمبادرة إليها من أفضل الأعمال البدنيّة التي يتقرّب بها المسلم إلى الله تعالى، وعليه فإن ترك المسلم صلاته لآخر الوقت يعدّ تهاوناً وتقصيراً منه في حق الصلاة، إلا إذا كان عنده عذرٌ مقبول.

وللصلاة عباد الله فضائل كثيرة، ينالها المسلم إذا حرص على أدائها ولم يتراخَ عنها، ومنها: أن أحبّ الأعمال إلى الله الصلاة في وقتها، وهي سببٌ في دخول الجنة، وأنها سببٌ في مضاعفة وتعظيم الأجور؛ فقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أصبِحوا بالصُّبحِ فإنَّهُ أعظمُ لأجورِكم)، مما يدلّ على أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يبكّر في صلاة الفجر، وباقي الصلوات ولا يتركها لآخر وقتها.

أيها المؤمنون: بتوجيه سام وكريم من جلالة الملك حمد بن عيسى حفظه الله أصدرت اللجنة العليا بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية تقويماً إسلامياً لأوقات الصلوات والمواسم والفصول والمناسبات، وفق المعايير الشرعية والعلمية والفلكية، توثيقاً لما تميز به الرواد الأوائل من أبناء البحرين في شتى العلوم ومنها علوم الفلك والحساب الفلكي وامتداداً للمنهجية التي وضعها علماء البحرين الأوائل في تحديد الأوقات الشرعية كما في (روزنامة الزبارة والبحرين) وبناء على التوجيهات الملكية السامية فقد عملت اللجنة العليا للتقويم البحريني التي تضم نخبة من المختصين والعلماء والفلكييين والخبراء، حيث عملت على إعداد التقويم البحريني، وبذلت مشكورة أقصى ما في وسعها لتصل إلى الدقة المطلوبة في تحديد مواقيت الصلاة وفق المنهجية التي بنى عليها العلامة السيد عبد الرحمن الزواوي رحمه الله، ووضع وأعد(روزنامة الزبارة والبحرين) وإننا بمناسبة صدور هذا التقويم البحريني المرتب، نتقدم بالشكر والتقدير لجلالة الملك حمد بن عيسى حفظه الله ورعاه لاهتمامه وتوجيهه للعلماء إلى زيادة الدقة في تحديد مواقيت الصلوات وبدايات دخول الأشهر القمرية وخروجها، كما نثمن دور المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ورئيسه واللجنة العليا للتقويم البحريني وجهودهم الحثيثة المباركة في إصدار هذا التقويم.. سائلين الله تعالى أن يجعل هذا الجهد والعمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه. اللهم وفقنا لاغتنام الخيرات في كل وقت وحين، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. اللهم أجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أعمارنا أواخرها، وخير أيامنا يوم نلقاك. اللهم وارزقنا حسن الخاتمة، وأعذنا من سوئها، وثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، يا ذا الجلال والإكرام. اللهم يا مصرف القلوب والأبصار صرف قلوبنا على طاعتك. (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)

اللهم أعز الإسلام وانصر والمسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين. اللهم ارفع عنا البلاء والوباء وسيء الأسقام والأمراض، وبارك لنا في عامنا الهجري الجديد، واجعله من أبرك الأعوام علينا، اللهم أهله علينا وعلى بلادنا، وعلى جميع المسلمين، بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام، والخير والبركات يارب العالمين، اللهم كن لإخواننا المستضعفين المظلومين في كل مكان ناصراً ومؤيداً، اللهم أحفظ بيت المقدس وأهل فلسطين والمسجد الأقصى، وأحفظ أهله، والمصلين فيه واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين. اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا، وعاف مبتلانا، واشف مرضانا واشف مرضانا، برحمتك يا أرحم الراحمين. الْلَّهُمَّ نَوِّرْ عَلَىَ أَهْلِ الْقُبُوْرِ مَنْ الْمُسْلِمِيْنَ قُبُوْرِهِمْ، وَاغْفِرْ لِلأحْيَاءِ وَيَسِّرْ لَهُمْ أُمُوْرَهُمْ، الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

   خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين